في عطلة نهاية الاسبوع ذهبت في رحلة مع باص سياحي عبر طريق المحيط
العظيم (The Great Ocean Road) إلى الغرب من مدينة ملبورن باتجاه المعلم الشهير الرسل الإثني
عشر (The Twelve Apostles). وهي عبارة عن معالم صخرية شامخة ومتقاربة على شاطئ المحيط بقي
منها ثمانية مع انهيار الصخرة التاسعة عام 2005م على وقع ضربات أمواج المحيط عبر
آلاف السنين.
كان الذهاب لتلك الرحلة دائما ضمن المخطط ولكن لم أكن متحمساً كثيراً
هذه المرة لولا أنني وجدت عرضاً مخفضاً للرحلة. كان موعد التجمع في التاسعة صباح
الأحد عند مقهى خارج مكتبة ولاية فكتوريا، حينما وصلت قبل عشرة دقائق من الموعد كان
هناك بعض السياح ينتظرون الباص وعمال المقهى منهمكين في الاستعداد لبدء عملهم ووضع
الكراسي والطاولات خارج المقهى الذي يفتح في التاسعة صباحاً.
وقفت في انتظار طلب القهوة على الساعة التاسعة ولكن الباص وصل وبدأ
السياح في ركوب الباص، فاضطررت إلى اللحاق بالباص وترك القهوة بحسرة رغم أنني لست
من مدمني القهوة. ركاب الباص كانوا من جنسيات متعددة كما بدا عليهم وعرفت لاحقاً
بعضهم من ألمانيا وكوريا والصين وكولمبيا والعراق وفنلندا وكنت أنا الصومالي والأسمر الوحيد في هذا الباص.
وصلت متأخراً ولم يبقى أمامي سوى مقعد بجوار سيدة شقراء، كان لزاماً
أن نتحدث حتى نمضي مسافة الطريق التي قد تصل لثلاثة ساعات للوصول إلى وجهتنا. في
الطريق مررنا على الغابات والأشجار الطويلة وفي أحيان السهول التي ترعى فيها البقر
والغنم والخيل وكنا نشاهد على بعد قطعان من الكنغر وهم يتقافزون وأنا الذي اعتدت
مشاهدة صحراء الدهناء وقطعان الإبل المتناثرة... شاهدت لوحات التحذير من عبور الكنغر
للطريق بدلاً من الإبل.
وكلما اقتربنا من المحيط أصبح الطريق ملتوياً وصعباً وحينما وصلنا
للمحيط كنا مأخوذين بجماله والتقاءه بالجبال والغابات في هذا الطريق الممتد على مد
البصر. تعرفت على السيدة الفلندية وكان اسمها "جازمن" عرفتها بنفسي وقلت
لها: اسمي عواله ومعناه سعيد الحظ وأتمنى أن يكون لي من اسمي نصيب، بالمناسبة اسمك
بالعربي ينطق ياسمين. فقالت: في لغتنا ينطق اسمي "ياسمينا" واسم
الاختصار "ياسو" ولكن أقول "جازمن" لأن هذا هو المتعارف عليه
لدى متحدثي الانجليزية. قلت لها: هل تعلمين أن الياسمين عبارة عن زهرة، قالت: نعم،
والدي أخذ فكرة تسميتي من زهرة
ياسمين جميلة كانت تنبت في حديقة منزلنا في ريف هلسنكي وهذا الاسم غير منتشر كثيراً
في بلادنا، قلت لها: أيضاً اسمي نادر في الصومال هذه الأيام.
كما عرفت أن ياسمينا أتت لاستراليا منذ أربعة أشهر تقريباً بتأشيرة
عطلة العمل وهي فيزا تعطى غالبا للشباب الأوربي لقضاء سنة في استراليا يسمح لهم
فيها بالعمل وبالإمكان تمديد الفيزا لسنة أخرى إذا عملوا لدى أحد المزارع فترة من
الزمن. سألتني لماذا قدمت إلى هذا البلد؟ قلت لها لقد هاجرت لهذه البلاد بحثاً عن
الفرص ومستقبل أفضل وأيضاً من أجل الحصول على جواز يسمح لي بالسفر حول العالم.
سألتها إذا قدر لك المكوث هنا عدة سنوات هل ستطالبين بالحصول على جواز
استرالي؟ قالت: لا فجوازي الفنلندي يسمح لي بالسفر لأي دولة بالعالم. ماذا عن
الجواز الصومالي؟ قلت لها: نحن لا نستطيع السفر مثلكم لأي مكان بالعالم بسبب أوضاع
بلادنا وحتى أن استراليا رفضت منحي فيزا سياحية قبل ثلاثة سنوات بحجة عدم ضمانها
عودتي لحياتي في السعودية التي إقامتها مؤقتة أو للصومال الغير مستقر ولكنها الآن
قبلت بي كمهاجر بعد تقييم شهاداتي! قالت: ليس عدلاً أن لا تستطيعوا السفر مثلنا.
قلت لها: هذه هي الدنيا..تخيلي الطيور تسافر بجوازات وتمر على سفارات تنقل الطيور
بين الدول والقارات؟! ليتنا مثل الطيور.
سألتني إن كنت واجهت شيئاً من العنصرية في استراليا؟ فقد سمعت أن هناك
شيئاً من العنصرية..قلت لها: شخصياً لم أواجه أية موقف عنصري خلال تواجدي في هذه
البلاد، بل على العكس الناس هنا مهذبون جداً في الغالب. لكن هذا لا يمنع أن هناك
من يضمر شيئاً في قلبه ومايضيرني ذلك؟! أنا أؤمن بقانون الجذب وأن ما تفكر فيه
سيحصل لك. لذلك لا أتعب نفسي بالتفكير في هذا الأمر وأسعى لأن أكون شخصاً له كامل
الحقوق والاحترام تماماً كالآخرين.
كان يبدو أنها فتاة مثقفة وواعية وأخذت تسألني أسئلة كثيرة عن الصومال
والسعودية بعدما أخبرتها أنني قضيت معظم عمري هناك وأنا بدوري سألتها بأريحية عن فنلندا
وعنها. أخبرتها بقصتي وكيف خرجت من الحرب الأهلية الصومالية وانتقلت للسعودية،
فقلت لها: أنت أول شخص هنا أحكي له قصة هذه الحرب ولا يسألني : هل مازلت تحلم
بالكوابيس؟. حكيت لها قصة دخولي أول يوم للمدرسة لابساً الثوب الأبيض وسؤال أبي لي
بعد أول يوم: هل هناك ما ينقصك يا ولدي؟ فقلت له: شكراً يا والدي ولكن ينقصني شي
واحد فقط ألا وهو القناع الأبيض الذي يلبسه الأطفال الآخرون. كنت مقتنعا أن
الإنسان بطبيعته أسود وأن بقية الأطفال يلبسون أقنعة بيضاء تماماً كالزي المدرسي!.
ضحكت من هذه القصة وضحكنا على سذاجة الطفولة.
قالت لي أن الحدود الأفريقية ليست طبيعية وهي تفصل بين شعوب وقبائل
واحدة، فأخبرتها عن مؤتمر برلين 1884م وكيف تم ترسيم الحدود الإفريقية وتقاسم
الكعكة ووضحت لها الحدود الصومالية وصراعها لاستعادة أراضيها من اثيوبيا وكينيا
مما تسبب في حرب 1977م والنتائج التي نراها إلى اليوم.
سألتني عن حال الصومال الآن وحركة الشباب الاسلامي؟ فأخبرتها بأن
الصومال مشروع يستفيد منه الجميع إلا الصوماليون. الأمم المتحدة ودول الجوار
والهيئات كلها تحصد الأموال بالمتاجرة بمعاناة هذا الشعب ولو أرادوا القضاء على
الشباب لساهموا في بناء جيش صومالي قوي يقوم بالمهمة، لكن لا أحد يريد ذلك
...الجميع يريد أن يبقى الحال كما هو لتستمر المصالح والفوائد.
سألتني إن كان بالإمكان أن تذهب هناك للسياحة والزيارة؟ فكرت قليلاً
وقلت لها: هناك مناطق آمنة وجميلة ولكن ستفتقدين لأمور كثيرة وستلاحظين ضعف البنية
التحتية للطرق مثلاً مما قد يشكل عائقاً. أيضاً بما أنك أوربية ستلزمك الحكومة
باصطحاب حارسين شخصيين لحمايتك حتى تدفعي لهم راتباً، رغم أنني أظن أنك لست بحاجة
لحراس. أخرجت الجوال وأريتها بعض الصور التي التقطها لكهوف لاس قيل الشهيرة وشرحت
لها الرسومات التي رسمت منذ آلالف السنين.
قلت لها: إذا كنت تريدين الذهاب لإفريقيا فهناك دول مثل جنوب إفريقيا
وكينيا وتنزانيا لديها مقومات سياحية ممتازة خصوصاً من ناحية الحياة البرية.قالت
لديها صديقة فنلندية ذهبت للدراسة في تنزانيا وأرتني صورها وهي في زنجبار الجميلة.
كما حدثتها عن أن دول الجوار ومنها كينيا استحوذت على عديد من الحيوانات البرية
الصومالية وطرحت مثالاً قصت ذلك الفيل الصومالي الذي هاجر من جنوب الصومال مع
قطيعه إلى كينيا بداية التسعينيات وهو صغير.
فقد تم ربط شريحة معدنية بالفيل وتركه قبل عام يذهب حيث شاء، فعاد
أدراجه وتخطى الحدود الصومالية عائداً لأرضه وحينما لم يجد فيلة أخرى عاد أدراجه
لكينيا. قلت لها ساخراً: هذا كحال المهاجرين الصوماليين في أنحاء العالم، قد يكون
الكبار ومن هاجر بقيت لديهم بعض الذكريات التي يحنون بها إلى الصومال ولكن الجيل
الجديد مقطوع الصلة بأرضه وسيأتي يوم لا يبقى ما يربطهم بهذه الأرض.
سألتني إن كنت شاهدت حيوانات أفريقية عن قرب، قلت لها نعم شاهدت الأسد
وأخذت صورة معه وهو خارج القفص ثم حكيت كيف أن لبوة الأسد بعد عام من تلك الصورة
قتلت فتاة في الوادي وهرب عنها حبيبها لتواجه مصيرها وحيدة أمام اللبوة الجائعة.
حدثتها عن النعام والإبل والغزلان والسلاحف وأريتها صورة لغزال الغرنوق ذو الرقبة
الطويلة والذي يتواجد حصريا في المناطق الصومالية وأعجبت بهذا النوع من الغزلان.
أما هي أخبرتني أن الأرانب منتشرة عندهم حتى داخل المدن وفي الغابات هناك الضباء
والدببة. سألتها إن كان الدب يأكل العسل كما نشاهد في أفلام الكرتون؟ قالت: ربما
ومن يكره العسل!
سألتها عن فنلندا ونظامها
التعليمي الذي يعتبر الأول عالمياً، هل صحيح أنكم لا تأخذون واجبات منزلية؟ قلت في
زماني كنا نأخذ القليل من الواجبات ولكن الآن يبدو أن الأمور أصبحت أكثر أريحية.
أخبرتها بأن مواطني العالم الثالث يحسدون الدول الاسكندنافية على سجونها المريحة
فالسجن عندنا عقاب وحرمان بينما عندكم محاولة لبناء الفرد من جديد ودمجه مع
المجتمع.
قلت لها: هل صحيح أن هناك
عداوة بينكم وبين السويدين؟! قالت: ليست عدواة ولكنها مجرد منافسة شريفة بين جارين
لدودين. أخبرتها بأن لدي عمة في السويد وأخرى في هولندا وخالا في فرنسا وعما في
بريطانيا وأنني قد أضم فنلندا لجولتي
الأوربية في الستقبل ولكن في فصل الصيف فلا أحتمل برودة شتاءكم القارص.
حينها أخرجت من جوالها فيديو قصير لإحدى صديقاتها في فنلندا وقد حفرت
حفرة في الثلج والصقيع حتى بدا الماء تحته ثم دخلت في الحفرة لتسبح وهي تلبس طاقية
الكريسمس الحمراء! أما أطفال صديقتها التوأم فكان أن بنوا لهم كومة من الثلج ثم
دخلوا في تلك الكومة حتى بدا أنهم متلحفين بالثلج، إنهم قوم يلعبون بالثلج كما
نلعب بالرمال على الشاطئ!.
لاحظت على ساعدها وشم لعين فسألتها ماهذه الرسمة تبدو مألوفة لي؟!
قالت: إنها عين حورس الآلهة المصرية القديمة. هنا انطلقت وأخذت أتحدث عن الهانقول
"العصى الصومالية" وأخبرتها أنها نفس العصى التي يحملها حورس وأريتها
صوراً لحورس وهو يحمل العصى وصور لعصاتي العزيزة وهي على نفس الشاكلة. قالت وضعت
هذا الوشم لأن والدها كان يضع هذا الوشم وهو متوفي الآن وهي للحماية من العين.
وفي هذه الأثناء توقفنا في مدينة صغيرة اسمها "واي ريفر"
كان توقفاً لمدة نصف ساعة، شربت القهوة هناك ومن ثم اتجهت لتجمع سياح تحت مجموعة
من الاشجار واتضح لاحقاً أنهم يطعمون البغبغاء الملكي الاسترالي. كان الحضور عددهم
كبير مقارنة بالطيور، وكان الكل يمد يده للبغبغاء الذي يفكر ومن ثم يختار من يشاء
أن يأخذ منه الطعام. أفلحت بعد عدة محاولات بنيل انتباه أحد البغبغاوات الجميلة فأخذ
يأكل من يدي وكنت سعيداً بذلك.
الجميع حولي من أطفال وكبار يمدون يدهم حولي لينتقل لهم البغبغاء،
وأنا أيضا حاولت أن أقرب يدي لباقي الحضور خاصة لياسمينا التي كان واضح عليها بعض
التوتر ولكن البغبغاء لم يشأ مغادرة يدي حتى بعد أن سكبت الحبوب من يدي إلى يد أحد
السياح اللاتينين. قلت للبغبغاء: اذهب للآخرين فلم يبقى معي أكل ويدي ليست
شكولاتة! ضحك الناس من حولي وقالوا: يبدوا أنه يحبك أو يحب مذاق جلدك! طار
البغبغاء بعد مدة منتقلاً للآخرين، يبدو وكأنه كان يشعر بالطمأنينة في يدي. لحسن
الحظ شاهدنا على قمة نفس الشجرة حيوان الكوالا، كان يبدو وكأنه يغط في نوم عميق
فوق الشجرة. كان أول كوالا أشاهده على الطبيعة وكانت ياسمينا سعيدة جداً للغاية
وقالت: اليوم تحقق حلمي بمشاهدة الكوالا ..الآن أريد مشاهدة ثعبان!
عدنا للباص وأكملنا الطريق باتجاه معلم الرسل الإثني عشر.عدنا لإكمال
حديثنا وسألت ياسمينا عن دراستها وقالت أنها تقريبا أكملت بكالوريس في دراسات
التطوير وبقي لها مشروع التخرج، ولكنها قررت أخذ سنة إجازة وعمل إلى استراليا والسفر
حول العالم. سألتها عن طموحها في المستقبل وماذا تريد أن تعمل ؟ قالت أريد أن أعمل
في أحد سفارات بلدنا في أمريكا الجنوبية وآخذ أمي معي هناك فهي الآن وحيدة بعد موت
أبي رغم أن صديقها يعيش معها ولكن أشعر بوحدتها واشتياقها لي. أخبرتها بأن أصدقائي
كانوا يسمونني السفير لنقلي الدائم للتراث الصومالي ولبس اللباس التقليدي في
المناسبات وأنني أيضاً كنت سأرحب لو عملت سفيراً لوطني في أحد الدول.
قلت لها ماهي اللغات التي تجيدينها؟ قالت الفنلندية والانجليزية وأدرس
الاسبانية والبرتغالية. قالت أنها ذهبت إلى البرازيل مع صديقاتها لمدة شهر وكان
الحديث بالبرتغالية صعباً عليها رغم أنها تعرف قواعد اللغة وتستطيع الكتابة جيداً.
قالت في البرازيل لا يتكلم الكثيرون الإنجليزية وكان يجب أن أمارس البرتغالية وكنت
أشعر بهم أنهم يضحكون على لهجتي. فقلت لها ساخراً كان من الممكن أن تدعي أنك خرساء
وتكتبي ماتريدين! كان يبدو أنها تجيد الإسبانية بشكل أكبر حيث تعلمت اللغة من
معلميها الكوبي والاسباني في هلنسكي.
أخبرتني أنها كانت تمارس رياضة الكيك بوكسينغ في فنلندا ولكنها لم
تحضر عدتها معها وأنها كسبت الكثير من الوزن هنا. كل ما كنت أعرفه أنه كان علي أن
أرفع من معنوياتها وأكون مهذباً فقلت لها: ولكنك مازلت جميلة، هل تعلمين أنه في
بلدان أفريقية يفضلون المرأة السمينة على النحيلة وأنه في بلاد مثل موريتانيا
يرسلون البنات النحيلات في الصيف إلى مخيم للتسمين. لأنه حسب اعتقادهم أن النحيلة
لن يتزوجها أحد عكس السمينة! قالت مازحة: ربما يجب علي أن أنتقل لهذه البلاد!
بمناسبة الزواج هل بإمكانك التزوج
بفتاة من ثقافة مختلفة كليا؟ قلت لها نعم الإسلام يسمح لنا بالزواج من الكتابيات
من النصارى واليهود وهناك حالات متعددة رأيتها وسمعت عنها لصوماليين تزوجوا من
أعراق وأديان مختلفة، رغم أن الأمر ليس بهذه السهولة. قالت: كنت أعتقد أن هذا غير
ممكن...أنا وصديقاتي نمزح في بعض الأحيان بأننا نريد الزواج من أمير عربي، ولكن هل
تظن بأنه سيفرض علي أن ألبس مثلهم؟! قلت لها: ربما لو كنت تعيشين مع الأمير في
الخارج فلن يهتم لذلك ولكن في الخليج خاصة لو رجعت إلى السعودية فعليك الإلتزام
بالزي النسائي هناك. وعلى كل لا أنصحك بالزواج من أمير فهو سيعتبرك من ضمن أشيائه
التي سيمل منا بعد أشهر ليتزوج بأخرى، ربما تحصلين على الأموال ولكن لن تحصلي معه
على اهتمام نفسي وعاطفي.
سألتني عن تعدد الزواج وقلت لها
الأمر كان أسهل في الأجيال السابقة فأبو جدي مثلاً تزوج أربعة وجدي اثنتان وأبي
واحدة وأنا لاشئ للآن، يبدو أن هناك معادلة رياضية ما في الأمر وأعتقد أن واحدة
تكفي وزيادة في مثل هذا الزمن. فمثلاً سابقاً كان النموذج الذي تربينا عليه أن
يكون الأب مسؤلاً وحده عن الإنفاق والدخل وتتفرغ الزوجة لتربية الأطفال. أما الآن
فالنموذج الغربي مثلا يتطلب من الزوجين العمل والمشاركة في المصروف والإنفاق.
قالت: كانت هناك ضجة وتململ من الفلنديين ضد النساء الصوماليات لأنهن يجلسن في
البيوت ولا يعملن كبقية النساء الفلندييات بينما يأخذون إعانات من الحكومة! قلت
لها: المرأة عندنا تنجب في المعدل سبعة وأعرف من ينجب اثنا عشر! قالت مستغربة: كيف
تستطيع المرأة ولادة كل هؤلاء والاهتمام بهم؟! فنحن ننجب واحدا أو اثنان وربما
ثلاثة كحد أقصى.
قلت لها: النساء عندنا يتزوجون
باكراً ويظلون ينجبون لعشرين سنة، ربما لم نفكر مثلكم بتخطيط مستقبل الأطفال
وتركنا رزقهم للأقدار. أخبريني هل لديك إخوة؟ قالت: أنا وحيدة أبواي وليس لدي
إخوة؟ قلت لها: نحن سبعة بين شباب وبنات ومع ذلك نعتبر عائلة متوسطة، ربما بالنسبة
لي أكتفي بخمسة وربما ثلاثة أطفال! قالت: ربما سأنجب طفلاً واحدا أو اثنين فقط
لأستشعر معنى أن يكون لك أخ أو أخت. قلت لها: دائما أسمع أن الطفل الوحيد مدلل؟ هل
كان هذا حالك؟ قالت: لا أعتقد ذلك ، على الرغم من أن أمي لا ترفض لي طلباً، وإن
رفضت توافق بعد إلحاح عكس أبي الذي كان لايمكن إقناعه في حال رفضه لأمر ما.
سألتني كيف يتم الزواج في الصومال
والسعودية؟ قلت لها: الحكاية يا سيدتي أن أغلب الزواجات الآن تتم بترتيب من
العائلات فهي صفقة بين عائلتين وحكيت لها عن النظرة الشرعية ووصفت لها ذهاب العريس
لرؤية عروسة المستقبل التي تحضر كأس شاي أو عصير لتجلس خجلة أمامه عدة دقائق بحضور
الأهل قبل أن تنصرف وبعد ذلك يُسأل العريس المسكين: هل أعجبتك الفتاة؟ فيقول: نعم
ويتم الزواج، وبعدها قد يتوفقون وقد تظهر مشاكل من انعدام للتفاهم فيكون الثمن
فادحاً بالطلاق.
أما في الصومال فكان سابقاً شائعاً
أن يقع شاب في حب فتاة ثم إذا لم يوافق أهلها يتفق معها على الهروب بصحبة أحد
أقاربه كشاهد أن شيئاً لم يحصل بينهما. فيتم الزواج تحت بند فرض الأمر الواقع ،رغم
أنني لم أعد أسمع بمثل هذه القصص الآن. قالت: هذا أمر رومانسي! نحن في فنلندا لا أحد يهتم بك تزوجت أم لا! وربما ليس أمراً سيئاً
أن يساعدك الأهل في البحث عن عريس. فمع الحياة المعاصرة أصبحنا مترددين كثيراً مع
كثير الخيارات أمامنا ونحن دائماً نظن أننا سنجد شخصاً أفضل في المستقبل. أنا
مثلاً انفصلت عن صديقي ومازلنا على تواصل كأصدقاء فقط وكنا نظن أننا سنسافر للعالم
سوية ولكن اختلف مسارنا في الحياة.رثم أردفت: يعجبني في الصومالين ترابطهم
وتواصلهم فيما بينهم. قلت لها: ربما بعض المساعدة أمرجيد ولكن ليس دائماً، أرأيت
الفرق بيننا نحن نحصل على مساعدات أكثر مما ينبغي وأنتم لا أحد يكترث لحالكم.
قلت لها: هل تعلمين أن السعودية هي
الدولة الوحيدة في العالم التي لا تسمح بقيادة المرأة للسيارة. قالت: رغم أني لا
أقود سيارة فالمواصلات العامة في هلنسكي لا تتأخر دقيقة واحدة، ولكني كنت سأكون
غاضبة جداً لو منعت من هذا الحق فما السبب لهذا المنع؟ قلت لها: يقولون للنساء أنك
أميرة ولا يصح للأميرة أن تقود بنفسها ولكن يجب خدمتها ويتم إيصالها وفتح الباب
لها! قالت: إذا كان الأمر كذلك ربما كنت سأرضى. ضحكت وقلت لها: هي مجرد حجة ولكنه
أمر يخص ثقافة وتقاليد البلد التي يصعب أن تتبدل بسرعة. لكن الواقع أن النساء يقعن
في الكثير من الحرج لإنعدام المواصلات العامة فيضطرن لركوب التكاسي وربما دفع راتب
سائق خاص.
سألتني عن اللباس والنقاب فأخبرتها
اختلاف الحجاب بين الدول الاسلامية ففي السعودية مثلاً يغطون كامل الجسم مع الوجه
بينما في دول اسلامية أخرى بالإمكان إظهار الوجه واليدين. ومع هذا النقاب لم يقف
عائقاً أمام المغازلين الذي يتغزلون بجمال العيون. قالت: عجيب وكيف يعرفون جمال
المرأة من عينها؟ قلت لها: هذا اختصاص خليجي وعينيك الخضراوتين الواسعتين كانت
ستجلب الكثير من المشاكل. أخبرتها عن طرق المغازلة قديماً أيام الطيبين عندما
كانوا يدورون في الأسواق ويرمون قطع لأوراق فيها أرقام هواتفهم على أمل أن يجد من
يتجاوب معهم. ضحكت من هذه الحركة كثيراً، وقلت لها: الآن مع التقدم التكنلوجي لم
تعد هناك حاجة لرمي الأوراق كالصياد ومصادفة الإحراجات.
قالت: وماذا سيحدث لو قررت أن أخلع
حجابي في السعودية إن أحسست بالحر أو ببساطة اخترت عدم ارتداءه؟ قلت لها: هذا أمر
غير مستحب بالمرة! دعني أخذك في سيناريو سريع لما كان سيحدث: أولاً كان الجميع
سينظرون إليك باستغراب وتلاحقك السيارات ويجتمع حولك بعض من الشباب الصائعين وربما
تتطور الأمور لمضايقات لفظية وجسدية. ثم تصل الشرطة وذلك لحمايتك أولاً ثم يأخذونك
إلى مركز الشرطة ليتحدثوا معك حديثاً خاصاً قبل أن يتصلوا بالسفارة الفلندية ويطلب
منهم السيطرة عليك أو طلب مغادرتك للبلاد. وفوق كل هذا كنت ستصبحين مشهورة على
التويتر ويخصص لك هاشتاق عالمي حتى يصل الخبر إلى قومك وأمك في فنلندا وتصبح
فضيحتك بجلاجل.
في هذه الأثناء توقفنا على منطقة
شاطئية اسمها "أبولو باي" لمدة نصف ساعة لتناول وجبة الغداء. نزل الجميع
وأخذنا نبحث عن مطعم مناسب، أنا وياسمينا دخلنا إلى مطعم وأخبرتني أنها نباتية لا
تأكل اللحوم. قررنا أن نطلب همبرجر نباتي ومن ثم نأخذه لأكله على الشاطئ. دفع كل
منا ثمن وجبته فلا يوجد هنا نظام الكرم الحاتمي كما كنا نفعل في بلادنا. كان
شاطئاً جميلاً وكان نسيم البحر بارداً في ظل هذا اليوم المشمس. الكثيرون كانوا
يسبحون على الشاطئ أو يمارسون رياضة ركوب أمواج البحر وهناك من يستلقي على الشاطئ
بحثاً عن أشعة الشمس واللون الغامق. قالت: في بلادنا يبدوالناس بيضاً كالأشباح ومن
الجميل أن تحصل على شئ من اللون تحت هذه الشمس.
كما أخبرتني أن السباحة من هواياتها واعترفت لها أنني لا أجيد السباحة
وإن كان بالإمكان أن تشرح لي تكنيك السباحة! فكرت قليلاً وقالت لا أعلم كيف أشرح
لك، إنها من الأمور التي تفعلها وحسب تماماً مثل ركوب الدراجة الهوائية! قلت لها أزيدك
من الشعر بيت ..حتى ركوب الدراجة لا أجيدها فضحكنا وقلت لها: حينما تتعلم أمراً في
الصغر فسيكون سهلاً عكس التعلم في الكبر. قالت: ربما يأتي يوم وأعلمك كيفية
السباحة...قلت : ربما.
وسألتني هل مارست القفز من الطائرة؟ قلت لها لا ولكنني فكرت بالتجربة
وكذلك فكرت بركوب المنطاد الهوائي..في الحقيقة إنني فكرت بأمور كثيرة ولم أنفذ
الكثير منها للآن ومازلت أريد أن أتعلم الكثير وأتغلب على طبيعة الحذر والتخوف من
التجارب. فإذا فكرنا بكل العقبات وكل الأمور السيئة التي من الممكن أن تحصل مثل
هجوم سمك القرش في الشواطئ وقناديل البحر السامة فلم يكن أحد ليسبح أو يستمتع
بوقته الحاضر.
طلبت مني أن أخبرها عن الأكل الصومالي، فلم أجد الكثير من الخيارات.
أخبرتها عن اللحوح وقلت لها: أنه مثل البانكيك بالسمن والسكر ونحب أكل الكثير من
اللحم والرز والموز الذي نأكله مع الرز، قالت لماذا؟ قلت ربما لأن لدينا الكثير من
الموز الذي لم نعد نعرف ماذا نفعل به. حكيت لها عن المطبخ اليمني الدسم والشامي
والتركي. فقالت أنها سبق وزارت تركيا وأعجبت بالبقلاوة، فهل لديكم حلويات صومالية؟
فكرت قليلاً وحاولت شرح المهلبية فلم أفلح ثم تذكرت الحلوى وأريتها صورة للحلوى
العمانية وقلت أنها مشابه لها.
تحدثنا عن كونها نباتية وهي قالت لماذا لا تأكلون لحم الخنزير؟ قلت
لها: ببساطة إن كان بالإمكان أن أجد الكثير من لحوم الغنم والماعز والبقر والإبل
وأيضا الدجاج لماذا أبحث عن لحم محرم علي. لكن على الرغم من هذا أستطيع أكل لحم
الخنزير لو أوشكت على الهلاك ولم يكن هناك طعام آخر. قالت: لم أكن أعلم أن ذلك
ممكن! قلت لها: إن كنت توشكين على الهلاك وليس أمامك سوى دجاج أو لحم هل كنت
ستأكلين؟ قالت: أظن أنني كنت سأفعل رغم معارضتي للفكرة.
سألتني عن القات؟ قالت سمعت أن الرجال في اليمن يأكلون القات وكذلك في
الصومال. قلت لها: هذه نبتة ابتلينا بها ونخسر فيها الكثير من الأموال، في اليمن
على الأقل يزرعون قاتهم بينما نستورده من دول الجوار. للقات تأثير مثل
المثأمفاتمين ولم أجربه للآن رغم العروض التي وصلتني كثيراً، لماذا تسألين عنه، هل
تريدين تجريبه؟ قالت: نعم أريد أن أجربه. قلت لها: لأنصحك بذلك.
صمتنا قليلاً لنستمتع بهواء الشاطئ وطيور النورس التي حامت حولنا تبحث
عن بقايا طعام، فبادرتني بالسؤال: هل يوجد في الصومال شواطئ جميلة كهذه؟ قلت لها:
سمعت عن وجود شواطئ جميلة في الصومال ولكنني شخصياً لم أذهب لأحدها ولكن حتما
لدينا شواطئ جميلة. سألتها بدوري عن ظاهرة كونية ترى في بلاد شمال الشمال اسمها
"الأضواء الشمالية" وهي تحولات في لون السماء ليلاً إلى ألوان خضراء في
الغالب تحت تأثير مغناطيسية القطب الشمالي. أخرجت من جوالها صورة وقالت: رأيتها
مرة واحدة ومن بلكونة منزلي في هلنسكي!. قلت لها: لابد أنها تجربة رائعة؟ قالت:
الصورة لا تفي حقها ففي الواقع هي ظاهرة أجمل بكثير من أن تنقلها الصور.
عدنا إلى الباص لإكمال الطريق تجاه معلم الرسل الإثني عشر، وفي الطريق
رأينا بعض الأشجار المحروقة على امتداد الشاطئ. فقال لنا قائد الرحلة: إن هذه
المنطقة اندلعت فيها الحرائق من سنوات حاصدة الكثير من الأرواح والممتلكات وأن
الغازات المنبعثة عن الحرائق هي أكثر ما يقتل الناس. ثم أردف ساخراً: كل شئ في
استراليا يحاول قتلك حتى الأشجار! قلت لياسمينا: جميل أن يكون لأحدنا منزل في هذه
المناطق وبما أن البحر غير آمن من وصول الغازات أو من وجود أسماك القرش، ربما من
الحكمة شراء قارب للهروب في حال اندلاع حرائق مشابهة.
وصلنا إلى منطقة الرسل الاثني عشر وكان هناك الكثير من السياح من جميع
الجنسيات ومركز معلومات بلغات كثيرة من العربي والفارسي والأوردو والماندرين وفي
المدخل علامة تحذير من وجود ثعابين سامة في المنطقة وتعليمات بالمشي في المنطقة
المحددة للمشاة. قلت لياسمينا: ربما يتحقق حلمك برؤية ثعبان سام! كانت تنظر يمينا
وشمالاً باحثة عن ثعبان، ثم قالت: لن نجده هنا لأن الثعابين تهرب من ازعاج البشر
وتجمعاتهم. وصلنا إلى المكان المنتظر وكان المنظر خلاباً ونحن نشاهد من علٍ منظر
تلك الصخور العملاقة وهي تقف على بُعد أمتار من الشاطئ في مواجهة أمواج المحيط
العاتية.
كان هناك رحلات للهليكوبتر لمن أراد التجول حول المنطقة من الأعلى
ولكن بعد دفع مبلغ معين. قالت ياسمينا أنها سبق وركبت هليكوبتر من قبل، وأضفت
بدوري: ربما هي من الأمور التي ينبغي أن أفعلها يوماً ما. التقطنا صوراً تذكارية
للمنظر الطبيعي وفي طريق العودة للباص شاهدنا مجموعة من السياح متجمعين ويصورن
حيواناً ما..للوهلة الأولى ظننته كنغر ولكن اتضح أنه حيوان يسمى ولبي وهو من فصيلة
مشابهة ويعتبر أصغر من الكنغر. عدنا للباص ثم انتقلنا لمنطقة أخرى بالجاور فيها
شاطئ خلاب يقع خلف مضيق بين جبلين. ترى الأمواج وهي تتلاطم على الجبلين وتدخل من
المضيق حتى يصل امتداد الموج للشاطئ.
عدنا أدراجنا بعدما أمضينا ساعة أخرى في هذا الشاطئ، وفي طريق العودة
لملبورن حدثتني ياسمينا عن بعض سفراتها حول العالم فقد سافرت للهند ومصر وتركيا
والبرازيل والعديد من الدول الأوربية. قالت في الهند كانت تشعر وكأنها من
المشاهير، فقد سافرت مع اثنتين من صديقاتها وكان الناس يتجمعون حولهم كباراً
وصغاراً لأخذ الصور وربما في بعض الأحيان يسترق بعض الرجال صوراً لهن وهذا أمر
مزعج جداً. قلت لها: إن معدلات الإغتصاب عالية في الهند ولايتم الإبلاغ عن نسبة
كبيرة منها ،فهل وجدتم مضايقة جسدية؟
قالت: الأمر لم يصل لهذا الحد وإلا كنت اضطررت لإستخدام خبراتي في
الكيك بوسينغ. وأردفت بأنه حتى في بلادها لا يتم الإبلاغ عن حالات كثيرة من
الاغتصاب كباقي دول العالم وأنها شخصياً تم اللحاق بها مرتين قبل أن تهدد في المرة
الأولى أحدهم بالإتصال بأصدقائها الذين كانوا في حفلة قريبة لتأديبه وفي الثانية
دخلت إلى سوبرماركت وطلبت من البنات اللاتي يحاسبون على الكاشير أن يساعدوها
ويخرجوها من الباب الخلفي حتى تهرب من ملاحقها.
قلت لها: إننا الرجال بالفعل لا نشعر بما تتعرضون له من مضايقات
وملاحقات، ماذا عن مصر ألم تتعرضي لمضايقات؟ قالت: لا لم أتعرض لأية مضايقات
ولكنني كنت في تلك السفرة مع صديقي...قلت لها: ربما كان وجود صديقك معك حماية لك،
ففي الثقافة الشرقية لا أحد يقترب من الفتاة التي تمشي مع رجلها (الدكر بتاعها).
ومع اقتراب وصولنا إلى ملبورن أخذت تريني صوراً للطبيعة في فنلندا ولغروب الشمس على البحر كان صوراً جميلة وساحرة.
ثم قالت: إنني أفتقد بلادي رغم أنني لا أتخيل نفسي أعيش هناك طول العمر، ربما أخذ
أمي ونعيش كما قلت سابقاً في أحد بلدان أمريكا اللاتينية. قلت لها: إذا أمك هي
وطنك الذي لا تستغنين عنه! قالت: يبدو أنه كذلك...أخبرني أيهما تفتقد أكثر
السعودية أم الصومال؟. قلت لها: لقد سألتي سؤالاً صعباً في الحقيقة السعودية هي البلاد
التي ترعرعت فيها وأفتقد فيها بعض الأماكن على وجه الخصوص ولكن أكثر ما أفتقده هم
رفاقي وأصدقائي هنالك. أما الصومال فهي بلادي التي ولدت فيها ويعيش عليها أهلي
وقومي ورغم أني لم أترتع فيها إلى أنني أحمل لها حباً عظيماً. لذلك سأقول أنني
أفتقد أكثر إلى الصومال..أفتقد إلى البلاد التي أطمح أن تكون.
قالت ياسمينا أن أمها ستأتي إلى سيدني بعد يومين وأنها ستسافر إلى
سيدني لقضاء وقت ممتع مع والدتها وترتيب جدول سياحي لها. فأمها تحب الموضة وتحب
السباحة وستجد الكثير من الشواطئ الجميلة للحصول على بعض اللون والهروب من ثلوج فنلندا
إلى شمس وصيف استراليا. قالت أنها ربما لن تعود إلى ملبورن وأن هذه الرحلة كانت
وداعية وكانت أجمل وداع لهذه المدينة التي أحبتها وأحبت أهلها.
عدنا إلى مدينة ملبورن في التاسعة مساءاً وتوقفنا عند نفس المقهى الذ
انطلقنا منه صباحاً. ودعت ياسمينا وتمنيت لها إجازة سعيدة برفقة والدتها في سيدني وأن
تبقى على تواصل في حال أرادت أية معلومات إضافية عن الصومال أو الشرق الأوسط
والخليج. وهي بدورها ودعتني قائلة: أشكرك على رفقتك اليوم ولولا وجودك لربما كانت
الرحلة أطول مما كانت فلم أشعر بالوقت مع حديثنا الشيق. افترقنا في محطة القطار
ومضى كل منا إلى طريقه وحياته وكان آخر ما قالته لي ياسمينا: لا تقلق من المستقبل
..كل شئ سيكون على ما يرام.