حينما كان المدرس يسألنا في درس التعبير
عن أحلامنا كنت أجيب بقطعة فيها الكثير من الطموح الممزوج بسذاجة الأطفال التي لا تعترف
بسقف للأحلام و لا تعرف معنى لواقعية الكبار. أخبرته بأنني أحلم أن أطير كطائرٍ لا
يأبه بتكالب الصيادين عليه فارداً جناحيه يطير بسعادة و أخبرته بأنني أحلم بأن أصبح
رئيساً للصومال و من ثم رئيساً للإتحاد الإفريقي و من ثم رئيساً للأمم المتحدة و قتها
كنت أعتقد أن الأمم المتحدة تسيطر على العالم و أنها أقوى من أمريكا.
أخبرته بأنني حلمت بفتح القدس و تحريرها
من اليهود، و حلمت بالغنى و الثراء لأساعد كل فقراء العالم و أبني بيتاً و مدرسة لرعاية
الأيتام. حلمت بإطعام كل فم جائع في إفريقيا حلمت بأن أكون أبا للمساكين. حلمت بأن
أعود للوطن و أستقر في هرجيسا و أبني مدينة عصرية في غمضة عين مستعينا بفانوس علي بابا
السحري ، حلمت بالمحافظة على النباتات و الغابات و الطبيعة الخلابة لبلادنا.
حلمت بإمتلاك مزرعة كبيرة في جبال شيخ
أجمع فيها الخيول و الأنعام أركبها و أذهب إليها كل صيف لأمتع ناظري من جمال الطبيعة
الخلابة ممتطياً الخيول العربية و الصومالية كفارس شهم نبيل كريم.
حلمت بأن أدرس علم الفلك و أكتشف الكواكب و المجرات بحثاً عن حياة أخرى في هذا
الكون الفسيح.
حلمت بإستخراج النفط من الصومال ،حلمت
بإفتتاح دورة الألعاب الأولمبية في أولمبياد هرجيسا عام 2050 م ، حلمت بصنع المحبة
و الألفة بين البشر و أن نعيش في مدينة فاضلة الكبير يعطف على الصغير و الصغير يحترم
الكبير و الكل يحب الكل لا عنصرية لا استحقار لا طبقات ، رغم أن المحبة لاتصنع و لكنه
مجرد حلم لطفل صغير.
و كتبت لاحقا قطعة أدبية لطيفة تعبر عن
بعض من تلك الأحلام:
يوما ما
حلمت حلما مجنون
أني أعبر أفلاك الكون
و أكشف سراً مدفون
لحياة أخرى لا يعلمها
سوى القائل كن فيكون
و مرة أخرى
حلمت حلما مجنون
بأني فاتح فلسطين
من بعد الذل و ذا العار
أقود جيوش الأحرار
لينتصروا على التنين
أحفادا باريين
للناصر صلاح الدين
و حينا آخر
حلمت حلماً مجنون
أنني حقا طائر النسرين
أطير فوق حقول الياسمين
أقطع السنين
و أقطف الورود
لمداواة الوريات المجانين
و تبصيرهم في الدنيا و الدين
فهل حققت أحلامي؟!
أم تاهت مناماتي؟!
بعض هذه الأحلام تساقطت كأوراق الخريف
و بعضها توارى خلف ستار الواقعية و بعضها تم تأجيله حتى حين. ربما لن نحقق كل
أحلامنا و ربما لن تكفينا عدة حيوات لتحقيقها لكنه من حقنا بل من الضروري أن نحلم
و نسعى خلف تحقيقها. قد نراجع قائمة أحلامنا لاحقاً .. ربما نضيف أحلاماً جديدة لم تخطر
لنا على بال أو قد نتخلى عن أخرى قديمة.
ليس مهماً الوصول لتحقيق الحلم قدر
أهمية الرحلة على طريق السعي خلف هذا الحلم، فكم من المفكرين و أصحاب الرؤية لم
تتحقق أحلامهم إلا بعد وفاتهم. تماماً كمارتن لوثر كنق صاحب المقولة الشهيرة "
أنا لدي حلم" والذي كان يسعى للحصول على حقوق السود في أمريكا و مساواتهم في
الحقوق و الواجبات مع البيض. قال في آخر خطبة له قبل اغتياله " لقد وصلت إلى
قمة الجبل و إنني لأشاهد أرض الميعاد ربما لن أصل معكم و لكننا سوف نصل
هناك". هنا تتجلى تلك الحكمة القائلة " يموت البطل و تحيا القيمة".
العظماء يسعون خلف تحقيق أحلامهم و لا
يهمهم تثبيط المحيط بقدر أهمية إيمانهم بأنفسهم، فهم يرون أحلامهم متحققة متى ما
سلكوا الطريق الصحيح و اتجهوا الوجهة السليمة. حينها لا يفصلهم عن تحقيق الحلم سوى
مسافة طريق تسمى "الزمن" ، بقي أن أشير إلى أن مدرس التعبير كان دوماً
يعطيني العلامة الكاملة في هذه المادة يبدو أنه أعجب بخيال و خربشات ذلك الفتى
الصغير المفعم بالأحلام و الأمل.