الخميس، 31 ديسمبر 2015

(Wadaad iyo Waranle) الشيخ و المحارب



كان المجتمع القبلي يقسم الرجال إلى قسمين إما أن يكون محاربا و هذا هو الأغلب أو شيخا. كان لفظ الوداد يطلق على الذين تعلموا العلوم الشرعية و هم بدورهم مقسمون إلى فئتين فئة يقال لهم ( Aw hebel ) و هم الذين تعلموا الدين في الداخل و لم يسافروا للخارج أما الذين تعلموا الدين في الخارج فكان يطلق عليهم لقب ( Sheikh hebel ) الشيخ فلان.

أما بقية الرجال فكان يطلق عليهم ورنلي (محارب) بلا استثناء و هذا اللقب كناية عن أنهم يحملون الرماح و السلاح للدفاع عن القبيلة و حيث لم تكن هناك دولة فكانت كل قبيلة مسؤلة عن حماية أفرادها و عندما يتم التعدي و التجاوز على أحدهم فهذا يعني التعدي و التجاوز على القبيلة بأكملها و لهذا كان هؤلاء المحاربون على أهبة الاستعداد دائما لأي طارئ.

أما الشيوخ فكانوا يربأون بأنفسهم بأن يدخلوا في الصراعات بحكم علمهم الديني حيث تنص تعاليم الإسلام على حرمة دم المسلم , و يلعب الشيوخ دورا كبيرا في الصلح و حقن الدماء حيث يقفون في موقف الوسط بين المتقاتلين ويكونوا وسطاء للسلام.

و هنا تسآلت بيني و بين نفسي هل أنا وداد أم ورنلي؟

حقيقة لا أعلم ما الذي يصيبي حينما أرى الرمح و لكن عيناي تلمع فجأة و أشعر و كأن هناك قوة كالمغناطيس تجذبني إليه, كأن روحاً أزلية تتلبسني ! ربما هي روح الأجداد التي طالما كان هذا الرمح لا يفارقها في حلها و ترحالها.

و أذكر أن أول درس أخذناه في أول سنة في الجامعة في مادة التربية البدنية كان درس لألعاب القوى في رمي الرماح و كنت مغترا بنفسي و أثرثر كثيراً كيف أنني لم أمسك رمحاً من قبل و لكن بما أن أجدادي كانوا ماهرين في رمي الرماح فلابد أن أكون مثلهم بالفطرة. كنت أضحك على محاولات من سبقني و المدرس المصري السويفي (من بني سويف) رحمه الله يعلق على طريقة رمي الشباب المضحكة للرماح فيقول لأحدهم " ايه يا بني هو أنت بتحدف طوب ؟".

و حينما حان دوري كنت اتمتختر في مشيتي و أمسكت بالرمح و كأنني خبير رماية و ركضت ركضة واثقة مثل التي أشاهدها في الأولمبياد, فحتما سأكون أفضلهم رماية و أبعدهم إصابة فأنا سليل المحاربين (الورنلي) , استجمعت كل قواي و أنا أرمي رميتي الأولى. في البداية بدت و كأنها الرمية الحلم كما تخيلتها في مخيلتي و لكنني لم أعمل حساباً للرياح فكان أن ارتفع رأس الرمح رويدا رويدا للأعلى بدلا من أن يتجه للأرض و إذ بالرمح يهبط متعامدا على الأرض ثم يقع على الأرض بهدوء مستفز!

أنا وقفت مذهولاً لفترة غير مصدق لما حدث, و يومها تعلمت أن لا أتباهى بمهارة أجدادي فهذه المهارة لن تورث تلقائيا إذا لم أتدرب كغيري. كما أن الضحك و الشماتة بالآخرين عواقبه وخيمة و الجزاء من جنس العمل.

يبقى أنني بطبعي أميل إلى تغليب السلام و السعي فيه فربما من حيث الطبيعية أكون أكثر قرباً إلى فئة الوداد الذين لم أنل علمهم و تقواهم, لكن هناك بذرة داخل النفس تميل إليهم و إلى مسارهم و كما قال أحدهم أحب الصالحين و لست منهم. وفي نفس الوقت كلما مررت برمح تلمع عيناي و كأن هناك ورنلي بداخلي يود الخروج إلى الوجود.


الاثنين، 14 ديسمبر 2015

500 شلن



اليوم عدت للعمل بعد اجازة قصيرة و حصل معي موقف جميل، و أنا في المكتب دخل علينا عامل النظافة في المبنى و اسمه عبدالله من الهند. و قال لي " تعال لو سمحت .. الفورمان يبي انت" و الفورمان هو كبير عمال النظافة. قمت معه و سلمت على الفورمان و أنا أظن بأنه سيسألني أمراً يختص بالنظافة أو عن السيارة في الموقف. لكن فاجأني حينما قال لي " أنت في فلوس ؟" و أشار بيده اليمنى بحركة الكاش و هي عبارة عن فرك متسارع بين اصبعي السبابة و الإبهام.

فكرت هل في فلوس ما عطيتها له ؟! ما تذكرت أي تعامل مالي بيننا. و أردف بسؤال" أنت من السودان؟...في فلوس سودان ؟ " فأجبته " لا أنا صومالي" ..فهمت منه أنه يبي يشوف فلوس مال بلد أنا .. قلت له حظك كويس أنا معي فلوس مال بلد في الشنطة لحظة انتظر.

رجعت لشنطتي و وجدت فيها مجموعة من فئات ال 500 شلن صوماليلاندي. اخرجت لهما ورقة واحدة و ثم شرحت لهما الغنم البربري ذو الرأس الأسود .."أنت شوف غنم راس أسود في الصورة ؟..هذا يجي سعودية بعدين أكل لحم" ثم هز عبدالله و الفورمان برأسيهما كناية عن معرفتهما بالغنم البربري...سألني الفورمان إذا كان يقدر يأخذ معه العملة ...أنا قلت له خذها و لكن وين بتوديها؟ ..قال " أنا في ركب جدار" و ما فهمت منه أنه يجمع عملات لبلدان مختلفة و يضعها عنده في حائط المنزل.

حقيقة سعدت باهتمامه بهواية جميلة مثل جمع العملات، فهذا يدل على حب للمعرفة و الاطلاع على ثقافات الأمم الأخرى. و هذا دليل على الانفتاح و حب الحياة و سعة الأفق. فتحية للفورمان و للأخ عبدالله و أتمنى أن أكون ساهمت في إثراء جدار منزلهما ب 500 شلن صوماليلاندي.

أما في المساء حصل معي موقف آخر و أنا خارج من المسجد بعد صلاة المغرب، حيث لحقني رجل صومالي و دخل معي البقالة و حدثني و كأنه يعرفني " أدير كيف الحال؟ و كيف حال أخوك أحمد ؟" و أنا مشغول بتجميع أغراضي و حينما لم يتوقف عن توجيه الحديث لي. قلت له للأسف يا شيخ أنت غلطان فأنا لا أعرفك و ليس عندي أخ اسمه أحمد و ليس لدي أهل هنا. لكن للأمانة فهناك الكثير ممن يستوقفني و يقول أنك تشبه فلان أو فلان الصومالي، فربما أكون نموذجا صوماليا من حيث تفاصيل الوجه و الجبهة أو ما يعرف بال
Typical Somali و ثم فالصوماليون يحملون دماء واحدة. 

تحدثت معه لبرهة حتى اقتنع أنني لست من يبحث عنه أو انني لا أصرفه. رغم انني من البداية كنت ناوي اقول له " ترى في كثيرين يشبهوني بالصوماليين لكني مش صومالي" كنت أفكر أشوف ردة فعله وقتها ، لكنني لا يمكن أن أنكر صوماليتي مهما حدث فأنا اعتبر نفسي صومالي .. مسلم .. إنسان. 

ملاحظة: أنا استغرب من حديثنا مع العمال بلغة عربية ردئية، حيث الأجدر أن نحدثهم بعربية صحيحة حتى يتعلموا اللغة..فلا نجد أحدا يتكلم معك بلغة انجليزية رديئة لاجل أن تفهمه بل على العكس يكلمك بلغته و إن اضطر قد يتكلم ببطء لكي تفهمه. أتمنى أن نحذو نفس الحذو و حتى ذلك الحين ما زال يتردد في ذهني كلمات سائق التاكسي قبل أيام و الذي ركبت معه و أنا متأخر عن رحلة القطار في الرياض ..حيث قال لي " ما في خوف صديق أنا في معلوم اختصارات ..اختصارات" و بالفعل وصلنا مبكراً و تجنبنا زحمة الرياض بمعرفته الضليعة ب " اختصارات ..اختصارات".