قبل يومين و بينما أمشي في الشارع و أنا عائد إلى المنزل وجدت رجلاً يدخن ، حتى الآن الأمر عادي جداً و يحدث كل يوم. لكن فجأة التفت الرجل و الدخان في فمه و ما شدني و جعلني أستغرب أنه لديه لحية كثة و يلبس ثوبا ناصع البياض.
نظرت إليه نظرة استغراب ثم مضيت في
طريقي ، فلحق بي الرجل و سلم علي بعد أن رمى السيجارة على الأرض و قد بدا عليه
الارتباك و الخجل و قال لي " هذا ابتلاء ابتلاني به الله و أنا أدخن منذ أن
كنت في الرابعة عشر من عمري". شعرت بحرج الرجل و حتى أجاريه في الكلام قلت له " مطوع و تدخن !"، ثم تداركت بأن لكل إنسان
ابتلاء و ضعف و ليس من حقي أن أحكم عليك و أعتذرت له إن شعر من نظرتي بأي نوع من
الحكم على تصرفه.
الرجل أكمل حدثيه قائلاً " بإذن الله سأستغل فرصة رمضان لترك
التدخين فادع لي" ، دعوت له الله أن يعينه على ترك التدخين و يوفقه للخير و
يغفر له و لنا ضعفنا. كنا نتحدث و أنا في طريقي للمنزل و الرجل في طريقه إلى أحد
محلات زينة السيارات حيث ينتظره صديقه. سلم علي بحرارة و ودعني و أنا بدوري ودعته
و سلمت عليه.
في الحقيقة ذكرتني هذه الحادثة بما كنت أفعله في أيام الصبا في
المرحلة المتوسطة من نصح المارة المدخنين، كنت أقف عندهم و أنصحهم بترك التدخين
واعظاً إياهم و مذكراً بالآثار السلبية على الصحة و البيئة. كنت في تلك الأيام
أتحدث بالعربية الفصحى.
و أذكر آخر مرة نصحت فيها أحدهم بالعربية الفصحى لحثه على ترك
التدخين كان شاباً يكبرني بسنوات عديدة و لديه مهارات في الكارتيه و الجودو. فوجئت
به و أنا أنصحه برجله ترتفع فوق رأسي في حركة سريعة و مباغتة ، استطعت أن أتفادي
الركلة بمرونة شديدة و رأيته و قد استعد لوضعية القتال. قيمت الموقف سريعاً و رأيت
أنني سأخسر المعركة لا محالة و أنا لم آتي للعراك بل للنصيحة ، فقررت أن ألوذ بالفرار
و بينما كنت أفر من أرض المعركة كنت أقول للشاب " يا لكع ابن لكع".
من طبعي أنني لا أحب أن أحرج أحداً حتى أمام نفسه و لو كان الحق
معي و لا أن أكسر بخاطر أحد إن كان بمقدوري مساعدته. و لذلك لم أحبذ نظرتي
الفضولية تجاه الرجل و هو يدخن ، تلك النظرة التي قد تنطوى على شي من الكبر أو
المفهوم بأنني أفضل منه بينما لست مخولاً في الحكم على الآخرين فما عندي من نواقص
و آثام يكفيني.
و ربما يكون هذا الرجل رأي فيني شيئاً ما أو ربما ذكرته بنظرة أبيه
أو من يحبهم و يحترمهم، فمن يدري ربما يترك هذا الرجل التدخين و أكون قد أسديت له
النصيحة بمجرد نظرة عابرة غير مقصودة.