السبت، 16 مايو 2015

المطوع المدخن


قبل يومين و بينما أمشي في الشارع و أنا عائد إلى المنزل وجدت رجلاً يدخن ، حتى الآن الأمر عادي جداً و يحدث كل يوم. لكن فجأة التفت الرجل و الدخان في فمه و ما شدني و جعلني أستغرب أنه لديه لحية كثة و يلبس ثوبا ناصع البياض.

نظرت إليه نظرة استغراب ثم مضيت في طريقي ، فلحق بي الرجل و سلم علي بعد أن رمى السيجارة على الأرض و قد بدا عليه الارتباك و الخجل و قال لي " هذا ابتلاء ابتلاني به الله و أنا أدخن منذ أن كنت في الرابعة عشر من عمري". شعرت بحرج الرجل و حتى أجاريه في الكلام قلت له " مطوع و تدخن !"، ثم تداركت بأن لكل إنسان ابتلاء و ضعف و ليس من حقي أن أحكم عليك و أعتذرت له إن شعر من نظرتي بأي نوع من الحكم على تصرفه.

الرجل أكمل حدثيه قائلاً " بإذن الله سأستغل فرصة رمضان لترك التدخين فادع لي" ، دعوت له الله أن يعينه على ترك التدخين و يوفقه للخير و يغفر له و لنا ضعفنا. كنا نتحدث و أنا في طريقي للمنزل و الرجل في طريقه إلى أحد محلات زينة السيارات حيث ينتظره صديقه. سلم علي بحرارة و ودعني و أنا بدوري ودعته و سلمت عليه.

في الحقيقة ذكرتني هذه الحادثة بما كنت أفعله في أيام الصبا في المرحلة المتوسطة من نصح المارة المدخنين، كنت أقف عندهم و أنصحهم بترك التدخين واعظاً إياهم و مذكراً بالآثار السلبية على الصحة و البيئة. كنت في تلك الأيام أتحدث بالعربية الفصحى.

و أذكر آخر مرة نصحت فيها أحدهم بالعربية الفصحى لحثه على ترك التدخين كان شاباً يكبرني بسنوات عديدة و لديه مهارات في الكارتيه و الجودو. فوجئت به و أنا أنصحه برجله ترتفع فوق رأسي في حركة سريعة و مباغتة ، استطعت أن أتفادي الركلة بمرونة شديدة و رأيته و قد استعد لوضعية القتال. قيمت الموقف سريعاً و رأيت أنني سأخسر المعركة لا محالة و أنا لم آتي للعراك بل للنصيحة ، فقررت أن ألوذ بالفرار و بينما كنت أفر من أرض المعركة كنت أقول للشاب " يا لكع ابن لكع".

من طبعي أنني لا أحب أن أحرج أحداً حتى أمام نفسه و لو كان الحق معي و لا أن أكسر بخاطر أحد إن كان بمقدوري مساعدته. و لذلك لم أحبذ نظرتي الفضولية تجاه الرجل و هو يدخن ، تلك النظرة التي قد تنطوى على شي من الكبر أو المفهوم بأنني أفضل منه بينما لست مخولاً في الحكم على الآخرين فما عندي من نواقص و آثام يكفيني.

و ربما يكون هذا الرجل رأي فيني شيئاً ما أو ربما ذكرته بنظرة أبيه أو من يحبهم و يحترمهم، فمن يدري ربما يترك هذا الرجل التدخين و أكون قد أسديت له النصيحة بمجرد نظرة عابرة غير مقصودة.